إن إمامة المساجد لها دور جليل في المجتمعات الإسلامية، دور يحتاج إلى مواصفات ومؤهلات خاصة يحسن أن تكون متوفرة في الأفراد الذين يتصدون لهذه المهمة الجسيمة، فالإمام في مفهوم الشرع هو من ائتُم به واتبِعَ من طرف الناس، وهو الموجه، والدال على الخير، والوسيط بين المتنازعين، وأمين سر الجميع، فإذا كان المسلم يذهب إلى المسجد في اليوم و الليلة خمس مرات على الأقل، فإن ذلك يتيح فرصة كبيرة للأئمة لترسيخ الأخلاق الإسلامية ومقاصدها بين المصلين، وإظهار روح العقيدة وجوهرها، وتوثيق عرى التكافل والتعاون بين المسلمين، من أجل هذا كانت قيمة الإمام الدينية والدعوية كبيرة ومرموقة على مر التاريخ؛ حيث أنه يمثل مرجعا للناس في كل شأن من شؤون الحياة.
ولإلقاء المزيد من الضوء على الدور التربوي والتوجيهي المنوط به أئمة وخطباء المساجد في المجتمع الإسلامي، تحدث فضيلة الأستاذ الدكتور سامي بن محمد الصقير، المحاضر في كل من المسجد الحرام والمسجد النبوي، وعضو هيئة التدريس في جامعة القصيم بالمملكة العربية السعودية، مؤكدا أن الإمامة في الصلاة هي من أولى الوظائف الدينية التي عرفتها الدولة الإسلامية وأجلها قدراً، مارسها النبي صلى الله عليه وسلم بنفسه، واختار لها كوكبة من أفضل الصحابة من بعده.
وحول أهم ملامح المسؤوليات والمهام الوظيفية للأئمة والخطباء، فقد حددها د. الصقير في عدة نقاط:
أولا: أن يكون الإمام عالما صحيح العقيدة، فصيحا، بليغ العبارات، على علم ومعرفة بالأحكام الفقهية، كي يصحح العبادات، ويجيب عن أسئلة المأمومين فيما يتعلق بأحكام الصلاة أو الطهارة أو ما شابه.
ثانيا: أن يلتزم بالتأسي بالنبي عليه الصلاة والسلام في صلاته وفي إمامته، وقد قال صلى الله عليه وسلم: «صَلُّوا كَمَا رَأَيْتُمُونِي أُصَلِّيْ» [رواه البخاري]، وأن يكون الإمام منضبطا في إمامته، من حيث الحضور وعدم التخلف، حتى لا تقع مشقة على الناس، ومنضبطا أيضا من حيث التوقيت، فلا يغرر بالناس، تارة يقدم، وتارة يؤخر، لأنه إذا قدم لربما فوت على كثير من الناس صلاة الجماعة، وإذا أخر حبس الناس عن مصالحهم ومعاشهم.
ثالثا: من واجبات الإمام أن يكون قدوة للمأمومين، في عقيدته، وفي عبادته، وفي منهجه، وفي سلوكه، وأن يكون حسن السمعة، طيب الأثر، لأن الإمام يتأسى به المأمومون خلفه، فينبغي عليه أن يحرص أن يكون قدوة صالحة لهم، بحيث لا يرون منه ما يخالف الشريعة، أو يخالف الأدب أو الذوق العام.
رابعا: أن يحرص على موعظة الناس، وتذكيرهم، فليست الإمامة مجرد أن يدخل الإمام ليصلي بالناس ثم ينصرف، الإمامة في جوهرها أعظم وأجل شأنا من ذلك، لذا ينبغي عليه أن يحرص على يعظ الناس وأن يعلمهم شعائر دينهم، ومن قبل ذلك وبعده؛ أن يعلمهم العقيدة الصحيحة السليمة الخالية من الشوائب، وأن يحرص على معالجة المنكرات الظاهرة، من خلال إقامة الدروس والمحاضرات والدورات العلمية بالتنسيق مع وزارة الأوقاف، وبالتعاون مع الدعاة والعلماء الذين يكونون عونا له في أداء رسالته.
خامسا: من واجبات الإمام أن يقوم على رعاية المسجد الذي يؤم الناس به، وأن يحرص على تفقد المأمومين، فيسأل عن الغائب، ويعود المريض، ويمد يد العون للمحتاج، وينصح من في حاجة إلى النصح والتذكير، وكذلك أن يحرص على متابعة شؤون المسجد ومرفقاته، والنظر الدائم فيها، وتفقد العاملين في المسجد، والتأكد من قيامهم بمهام وظائفهم في تهيئة المسجد للمصلين، حتى يظل المسجد في حالة تليق ببيوت الله التي ذكرها ربنا في كتابه العزيز: {فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَن تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ} النور:36.
سادسا: ينبغي أن يحرص الإمام على طرح المسائل العقدية، والحث على إخلاص العبودية لله عز وجل، ومعالجة الأخطاء الشرعية التي يقع فيها عموم الناس، حيث كثير من البسطاء لديهم أخطاء في العقيدة، أو في كيفية أداء العبادات، أو في فقه الطهارة، فضلا عن أن بعض الناس يقع في عقوق الوالدين، أو في إهمال الأولاد أو التقصير في حقوق الزوجة، كل هذه الموضوعات تحتاج من الأئمة والخطباء أن يطرقوها ويلفتوا أنظار رواد المساجد بشأنها.
وإجمالا؛ ينبغي أن يضع الخطيب نصب عينيه أن يجعل المسلم يعبد الله على بصيرة، على منهج الله عز وجل، وسنة نبيه الكريم صلى الله عليه وسلم.